المبدع اليمني صبري الحيقي للمجلة الثقافية الجزائرية

صبري الحيقي حالة إبداعية متفردة في المشهد الثقافي اليمني، فهو مبدع وباحث أكاديمي متعدد الاهتمامات اشتُهر كشاعر وفنان تشكيلي تُرجِمت قصائده إلى الفرنسية والإيطالية والإنجليزية، وفي مجال الفن التشكيلي تميز بأسلوب (الشعرية التشكيلية) وهي تقنية مبتكرة خاصة به، وله أكثر من مائة لوحة مقتنيات شخصية ورسمية أغلبها في بلدان أوروبية. لكن ضيفنا تعامل باقتدار مع صنوف إبداعية كثيرة كالنقد والدراما والمسرح والصحافة والرواية والقصة. وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب ويُعد من رواد المسرح اليمني وأول متخصص أكاديمي في النقد الدرامي في اليمن. من أبرز أعماله الأدبية: ديوان (أشعار في زمن الفوضى) ورواية (أوراق من سيرة الفيض)، وله مؤلفات تحت الطبع منها كتاب (فلسفة الاستبدال في القرآن الكريم). المجلة الثقافية الجزائرية تواصلت مع صبري الحيقي وسألته عن تجربته الإبداعية المميزة فكان هذا الحوار:
حوار: باسمة حامد


حوار المجلة الثقافية الجزائرية مع المبدع اليمني صبري الحيقي:

المجلة الثقافية الجزائرية: دعنا نبدأ منك كمبدع عانق الحرف واللون في آن معاً.. كيف تفسر هذا التداخل بين الكتابة الأدبية واللوحة الفنية  ضمن مشروعك الإبداعي؟
الحيقي: الإبداع بكل أنواعه المكتوبة والمرئية والمسموعة، هو أدوات للتعبير عن الذات لتغيير الواقع السلبي، ولتقديم رؤية جديدة للانتقال بالواقع من مستويات السوء إلى مستويات السواء والسلامة. أما اللون أو الحرف، فهذه مرتبطة بمهارات أساسها الهبة التي يمنحها الله لخلقه، وتتطور بالتعليم التقني والتدريب والمعرفة الدقيقة بطبيعة كل فن ووظيفته.



المجلة الثقافية الجزائرية: ما نلاحظه أن لوحاتك  تتسم بالبهجة والتفاؤل .. دعني أسألك في هذا السياق كيف تستطيع  اغتراف مادة بصرية تحتفي بالبيئة اليمنية  ضمن واقع إشكالي يسوده العنف والتشرذم؟! 

الحيقي: لوحاتي المعروضة كلها قديمة، يعود تاريخ آخر لوحة إلى 2004، وقد بدأت في مطلع هذا العام بالإعداد لمعرض جديد، لم انشر منه سوى جزء من لوحة كانت مجرد تدريب لاستعادة مهارتي بعد توقف دام خمسة عشرة سنة. لكن عندي تجارب جديدة تقوم على دلالة اللون بشكل أساسي مازالت قيد التنفيذ.

المجلة الثقافية الجزائرية: يقول بيكاسو: "إن أعظم ما أردت تحقيقه وجدت بأن الخط العربي قد سبقني إليه منذ زمن".. إلى أي حد نجح الفنان التشكيلي صبري الحيقي باكتشاف أسرار هذا الإرث التاريخي المهم؟ وهل تعتقد أن الفنان التشكيلي اليمني أعطى  الحروفية ما تستحق من التقدير ببعدها الرمزي والفلسفي والجمالي والروحي؟



الحيقي: رسمت الكثير من اللوحات الحروفية او المتداخلة مع الكتابة، بعض تلك الكتابة كانت قصائد شعرية كتبتها ونشرت في وقت سابق، وبعضها آيات قرآنية. لكن بشكل عام حققت أعمالي التشكيلية نجاحا معروفا عند كل الفنانين. وحينما شاركت في معرض جماعي في هولندا سنة 2000، كانت لوحة من لوحاتي في بوستر المعرض وفي كرت الدعوة وكان إسمي في مقدمة الأسماء.
في كل المعارض التي شاركت فيها (الحمد لله) كانت لوحاتي أكثر اللوحات قبولا ، اسلوبي المتميز على المستوى التقني وعلى المستوى التعبيري، أثر على فنانين من السابقين واللاحقين، وقد تواصل معي قبل يومين صديقي الشاعر (أحمد السلامي) الذي يقيم حاليا في الإمارات، وأرسل لي لوحة تحاكي أعمالي يسألني قائلا (من هذا الفنان الذي يقلد أعمالك وأسلوبك الذي لا ينسى) وفي نفس اليوم تواصل معي  الفنان الكبير (طلال النجار) وتبادلنا بعض اللوحات التي تحاكي أعمالنا. هذا يمثل أهم مقومات النجاح والتأثير على الواقع، خاصة حينما يكون المقلد فنانا كبيرا ومعروفا.
***
المجلة الثقافية الجزائرية: للوحة الفنية شروطها ومواصفاتها وتقنياتها لكن ماذا عن الفن الرقمي؟ برأيك هلي يمكنه الوصول إلى المتلقي بالاستفادة من ثورة التكنولوجيا وأدواتها؟

الحيقي: الفن الرقمي مهم جدا، وقد أصبح من المواد الأساسية التي تدرس في الأكاديميات والكليات المتخصصة بالفنون، لكن له وظيفته المحدودة في رسم اللوحات، وله وظيفته غير المحدود في التصميم التي تتجاوز مهارة اليد بمدى غير محدود. وفي السينما حقق تطورا مهولا في تخفيض تكاليف الإنتاج وفي تقديم أفلاما في منتهى الجمال، وهناك برامج متخصصة الغت دور الرسم اليدوي تماما، مثل برامج (سينما فوردي) وبرنامج (ثري دي ماكس) وغيرها..



المجلة الثقافية الجزائرية: كيف وجدت صدى ترجمة أعمالك لدى القارئ الأجنبي في ضوء ما قدمته من أشعار  في مجموعة  (اليمن شعب الرمال) المترجمة للفرنسية؟ 

الحيقي: اولا تمت ترجمة بعض ما كتبته في الشعر إلى اللغة الفرنسية، في بداية التسعينيات في كتاب (القافلة السكرى – على خطى رامبو) بالاشتراك مع نخبة من الشعراء الكبار العرب والفرنسيين، وكنت حينها أصغر من شارك في ذلك الكتاب، ورغم ذلك فقد وضعوا إسمي في مقدمة الأسماء، قبل الأسماء الكبيرة ومنهم أساتذتي مثل (عبد العزيز المقالح) من اليمن و(أحمد عبد المعطي حجازي) من مصر و(سيرج سوترو) من فرنسا. لكن كتاب (اليمن شعب الرمال) الذي صدر في عام 2000، يكاد يكون كله مخصص لقصائدي باستثناء بعض المشاركات للشاعرة (هدى أبلان) ومازال له حضوره في الشبكة العنكبوتية إلى الآن، رغم إنه صدر قبل ٢٢ سنة.


المجلة الثقافية الجزائرية: روايتك (أوراق من سيرة الفيض) تدفعني لسؤالك عن الرواية الشعرية.. هل صحيح أنها تعجب القارئ ولا تروق للناقد؟! 
الحيقي: أولا دعيني أصحح مفهوما مهما في لغة النص الأدبي.
النص الأدبي على مر التاريخ منذ نشأة الأدب في الملاحم،  ومرورا بالقصائد الغنائية  والنصوص المسرحية لم تكن يكتب إلا شعرا. واستمر ذلك إلى القرن الثامن عشر تقريبا، وكانت القصص النثرية التي بدأت في الضهور قبل ذلك بثلاثة قرون، منبوذة تنسب للسفهاء. إذا الشعر أساسا هو لغة النص الأدبي، لهذا سمى أهم مرجع في تاريخ النقد الأدبي إلى الآن (فن الشعر - لأرسطو) وتم تقسيمه إلى :
1- شعر ملحمي. ومنه اتت الرواية.
2- شعر غنائي. ومنه  ما وصل به إلى قصيدة النثر.
3- شعر درامي. وهو فن المسرحية التي بقيت تكتب شعرا إلى القرن الثامن عشر تقريبا وكان أول نص نثري مرفوضا مذموما من النقاد في بدايته، ثم أصبح النثر في كتابة النص هو القاعدة ، والشعر هو الاستثناء.
القطيعة المعرفية عند الكثير من الكتاب على مستوى العالم، ساهمت في التضليل عن حقيقة لغة النص. الناقد الذي لا تروق له اللغة الشعرية تحتاج إلى بحث استقصائي وتفصيل دقيق، لكن هذا لا ينطبق على تاريخ الأدب الطويل، ربما في القرن العشرين نجد نصوصا عربية مسرحية بالتحديد كانت فيها من التصنع ما يجعلها تفقد بعض خصائص البناء الدرامي. 


المجلة الثقافية الجزائرية: الرواية اليمنية لامست الواقع اليمني في كثير من جوانبه الاجتماعية وموروثاته الشعبية.. لكن بعيداً عن وظيفتها الجمالية إلى أي حد ساهمت بإرساء قيم السلام في المجتمع اليمني الذي يعاني من حرب عبثية منذ سبع سنوات؟
الحيقي: لم يساهم الأدب اليمني في أي أثر على واقع الحال، لأن لغة الأدب لم يعد لها أي حساب في الواقع. 

المجلة الثقافية الجزائرية: ما مدى رضاك عن القراءات النقدية التي واكبت تجربتك الإبداعية؟

الحيقي: هناك الكثير من الكتابات والدراسات الأكاديمية، وأكثرها قراءات استاذي الدكتور (عبدالعزيز المقالح)  أما بقية الدراسات حتى رسالة الدكتوراه للدكتور أحمد قاسم الزمر، كانت انعكاس لكتابات الدكتور المقالح، الحقيقة إلى الآن لم تنل تجربتي الشعرية ما تستحقه من الإنصاف، لدى صورا شعرية كثيرة مبتكرة لم يشر إليها أحد. او ربما لم يتم التنبه إليها .. لأ أدري ... هذا موضوع يحتاج إلى بحث آخر.


المجلة الثقافية الجزائرية: أود أن أسألك عمّا فرضته (كورونا) من تداعيات وجمود على الحراك الثقافي والإبداع.. برأيك كمثقف كيف يكون سيكون مستقبل الإبداع والثقافة بعد الجائحة؟
الحيقي: الحقيقة في اليمن لا يوجد أي مشكلة ولم تفرض تلك الجائحة أي قيود على اليمنيين. باستثناء بعض الأطباء الذين أعرفهم شخصيا وتواصلوا معي أثناء الجائحة، فقد أخبرني أحدهم أنه اوقف عمله في عيادته الشخصية، وحينما عاد لفتحها وممارية عمله، كان يرتدي ملابس أشبه برواد الفضاء، وقد فعل مثل ذلك أطباء آخرون . الحقيقة في اليمن شعبيا لم يكن هناك مشكلة رحمة من الرحمان وإلا لمات من تبقى من الشعب. لا أدري لماذا كان أكثر الضحايا من الأطباء. 

المجلة الثقافية الجزائرية: دعنا نبدأ من جديد.. من رحلتك الطويلة مع الكلمة واللوحة  كيف كانت المغامرة؟!

الحيقي: مريرة. مريرة جدا. الكتابة والرسم ذروة مراحل القهر بالنسبة لي، هي لحظات لا أجد  سوى الكتابة  أو الرسم حتى لا أموت من القهر.
***

إنني الآن في (مصر) جئت إليها كطفل يلوذ من الريح بالروح يا للدوار.
كنت قد ضقت حد الكتابة. 
حد الرواية.
حد انكسار الوريد.
ليس لي أصدقاء
ما زلت لا بيت لي لا نساء 
رغم البلاد التي..
البلاد التي..
البلاد التي سلبتني الهواء
قليلا من الوقت يا ربي كي أتنفس
فقط أتنفس... 
 من سياق النص الروائي الذي كتبته2002  (في القاهرة). وكتب عنه كلمة مهمة (د. عبد المنعم تليمة).


 



تعليقات

المشاركات الشائعة