حوار مع الفائز بجائزة (نيوستاد) الأدبية للعام 2022

هذا الحوار طاله بعض التشويه حينما نشرته مجلة (الجديد)  بتاريخ (1/ 7 / 2022).

نعيد نشر النص الأصلي. 

***

حوار مع الروائي (بوبكر بوريس ديوب) الفائز بجائزة (نيوستاد) العالمية للأدب للعام 2022.

***

أجرى الحوار: د. صبري الحيقي

جائزةُ (نيوستاد Neustadt)، العالمية للأدب، تأسست 1970، هي جائزة تمنحها جامعة أوكلاهوما كل عامين، وتُعد ثاني أعظم جائزة أدبية بعد جائزة نوبل في الأدب. تبلغ قيمتها خمسون ألف دولارا أمريكيا، وتسمى بجائزة «نوبل الأمريكية»؛ لأنها تمنح لكاتب على مجمل أعماله لا عن عمل معين، تمامًا كما يحدث في جائزة نوبل، ولأن نحو 30 من الفائزين بها فازوا لاحقًا بجائزة نوبل للأدب، وقد سبق أن فاز بالجائزة أديبان عربيان هما "آسيا جبار" الفرنسية من أصل جزائري، عام 1996، و"نور الدين فرح" من الصومال عام 1998. وهي مثل نوبل، يتم منحها للأفراد على كامل أعمالهم، وليس لعمل واحد. 

مما جاء في خبر إعلان الجائزة: "الكاتب الفرنكوفوني ديوب (مواليد 1946، داكار، السنغال) هو مؤلف للعديد من الروايات والمسرحيات والمقالات. حصل على جائزة الجمهورية السنغالية الكبرى في عام 1990، ووصفت الروائية العالمية "توني موريسون"  روايته (مورابي – كتاب العظام) أنّها "مُعجِزةٌ"، وصنّفَها معرض "زيمبابوي" الدولي للكتاب ضمن أفضل 100 كتاب أفريقي في القرن العشرين... " 

من أسباب فوزه بهذه الجائزة، روايته (مورابي – كتاب العظام – 2000)، التي تقع أحداثها في "رواندا"، وتُركز على الفترة بداية من ابريل 1994، والتي وقعت فيها المذابح الجماعية في "روندا" ابتداء من 6 أبريل 1994، إلى منتصف يوليو من نفس العام، ولمدة ٨٠ إلى 100 يوم تقريبا، بدأت بمقتل رئيس الجمهورية "جوفينال هابيا ريمانا" بقذيفتين استهدفتا طائرته الرئاسية، الرئيس الدكتاتوري، الذي وصل للسلطة بالتزوير في 1973، ووصلت بلاده في عهده إلى فقر مدقع، فجن جنون أنصاره، وقاموا بجرائم القتل والنهب، واتلاف الممتلكات، والاغتصاب، بدوافع الحقد لقبائل (التوتسي)، الذي له جذوره القديمة التي لم يغفلها (ديوب) في روايته، حيث أشار إلى أنه بدأ منذ 1959، ولها مظاهر متعددة منذ 1959، إلى أن بلغت ذروتها في إبريل 1994، في واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية؛ بلغ القتلى فيها مليون قتيل، وبإحصائية رسمية بلغت 800000ألف قتيل. قتلوا بالهوية والانتساب العرقي.  في الوقت الذي كان الجنود الأمريكيون" يرتكبون نوعا مشابها من البشاعات التسلطية المرعبة في سجن (أبو غريب) في "العراق"، كما أشارت (إلين جوليان)  في مقدمة الترجمة الإنجليزية للرواية، وفي الوقت الذي كان يستعد فيه سكان العالم لمتابعة مباريات كأس العالم في كرة القدم المُقامة بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي مفارقة محزنة ومرعبة، في الوقت الذي تسفك فيه دماء الملايين وتنتهك وتغتصب أعراضهم وحقوقهم، كان العالم يتسلى بمباريات كأس العالم.

حينما قرأت، هذه الرواية تذكرت رواية (مائة يوم.2008)، للروائي السويدي (لوكاس بارفوس)  الفائز بأهم جائزة أدبية ألمانية (جائزة بوشنر)، والذي كتبتُ عنه وعن روايته تلك وعن بعض أعماله، في وقت إعلان الجائزة 2019، في مجلة (فنون اليمن). رواية (مائة يوم) تتناول مأساة الإبادة الجماعية في "رواندا". ورغم اختلاف القصة والحبكة بين (ديوب) و (لوكاس بارفوس)، إلا أن أسبقية رواية (موارابي- كتاب العظام) بالنشر والترجمة إلى الفرنسية والإنجليزية، تجعلنا لا نستبعد التأثر بمن سبقه، على الأقل في التنبيه لمأساة أرعبت العالم، خاصة أن روايته تلك يقع موضوعها خارج سياق مواضيعه في أعماله الأخرى. بالتأكيد هذا لا يقلل من أهمية (لوكاس بارفوس)، ف(جائزة بوشنر ) من الجوائز المهمة والمنصفة نسبيا.

سيرة مختصرة ل"بوبكر بوريس ديوب":

من مواليد ١٩٤٦ في السينغال. هو مفكر وصحفي وروائي وكاتب سيناريو. وهو مؤسس أول صحيفة مستقلة في السنغال. وهو الكاتب الوحيد الذي كتب أعمالا أدبية باللغة المحلية السنغالية (لغة الولوف). 

وكما سنعرف من خلال الحوار فقد أسس أول دار نشر، لنشر الكتب باللغة المحلية للسنغال؛ لغة (الولوف)، خاصة للشباب. إنه مبدع استثنائي يتجاوز ذاتية معظم الكتاب الكبار وأنانيتهم، وتقوقعهم على ما ينتجون، إلى ما ينتجه أبناء بلده، بعكس كبار الكتاب في بلداننا الذين لم تتوقف سيئاتهم عن التقاعس ومد يد العون للمبدعين، بل إنهم يتوسلون كل الوسائل لتدميرهم، وإن تظاهروا بعكس ذلك، (كما يعرف كثيرون من أهل الثقافة.) ولهذا سقطت دولهم في مستنقعات الخراب، الذي لم يعد خافيا على العالم بأسره.

     حقق "ديوب" نجاحا كبيرا، منذ صدور عمله الأول ١٩٨١، (زمن تانجو). وحصل على أهم الجوائز على مستوى السنغال، وعل مستوى الأدب الأفريقي، وأخيرا على مستوى الأدب العالمي؛ من خلال حصوله هذا العام ٢٠٢٢على جائزة نيوستاد؛ وهي أهم جائزة أدبية بعد جائزة (نوبل) كما يتم تصنيفها، تمنحها (جامعة اوكلاهوما (كل عامين) على مجمل أعمال الكاتب، ورغم أن هذه الجائزة تمنح على كل أعمال المؤلف، إلا أن روايته (مورابي – كتاب العظام) التي تناولت مأساة الإبادة الجماعية في "رواندا"، بشكل مؤثر وحيادي، كانت من الأسباب المهمة لمنحه الجائزة.


من أهم أعمال "بوبكر بوريس ديوب" في مجال الرواية:

زمن تانجو 1981.

طبول الذاكرة 1990.

آثار العبوة 1993.

الفارس وظله 1997.

بائع صن الصغير 1999.

مورابي (كتاب العظام) 2000. 

دومي جولو 2003.

البراءة المستحيلة 2004.

كافينا 2006.

أبناء القرد 2009. هي ترجمة (دومي جولو2003).

ليلة لموكو 2013. مجموعة قصص كتبت ما بين 1998 – 2012.


ومن خلال هذا الحوار سنعرف أن آخر ما كتبه:

رواية: Maalanum Lëndëm، صدرت في مارس 2022.

من فضلك، استمع إلى هذا الرجل المجنون! مجموعة قصص، ستصدر قريبا.

له عدة كتب أخرى منها مسرحيات، وسيناريوهات، وقصص قصيرة، وكتب سياسية وفكرية.

***

في البداية أهنئك بفوزك بجائزة: "نيوستاد" الدولية للأدب 2022. أنت تستحق أكثر من تلك الجائزة. لأنك تقف مع الحق والعدل والمصداقية. لعل هذا من أسباب فوزك بأهم الجوائز؛ على مستوى "السنغال" أولا، وعلى مستوى الأدب الأفريقي ثانيا، وأخيرا على مستوى الأدب العالمي.  لهذا السبب نترقب كل جديد تكتبه. 

الحيقي: هل يمكنك التحدث إلينا عن الأعمال التي ستنشرها في المستقبل القريب أو البعيد؟


*ديوب: في البداية، أشكرك على تهنئتك، وعلى اهتمامك بإنتاجي الأدبي. إنّه شيء أقدره حقًا. بعيدًا عن رواياتنا ومسرحياتنا، يجب أن يفتح كل الكتاب، نافذة للحوار بين البشر الذين غالبًا ما يكون لديهم قواسم مشتركة أكثر مما يعتقدون. هذا ما قالته روايتي، (Maalanum Lëndëm)، وهي آخر رواياتي، كتبتها بلغة (الولوف)، نُشرت في مارس 2022.  استغرقت كتابتها ثلاث إلى أربع سنوات حتى أتممتها، والآن، أشعر أنني بحاجة إلى استراحة. 

خصوصية كتاباتي، تجعلني كأنني في معركة مع الكلمات والشخصيات، عملية صعبة للغاية، بغض النظر عن اللغة التي أستخدمها في كتابة كتبي.  

لكن لدي بالفعل مجموعة من القصص القصيرة بلغة (الولوف). عنوانها (Dof bi waxatina!)، يمكن ترجمتها على النحو التالي: (من فضلك، استمع إلى هذا الرجل المجنون!.)  لا أعرف حتى الآن إلى أين ستقودني الشخصية الرئيسية ولكني أراها بالفعل كرجل لا يأخذ الحياة على محمل الجد. ستكون أيضًا في مركز كل القصص على الرغم من أن الأخيرة مترابطة قليلاً جدًا.

*الحيقي: في عام 2020، كانت "السنغال" ضيف شرف في المعرض الدولي للكتاب في القاهرة. وكنتَ أحد الضيوف.  وقد علمت من كتاباتك أنك قرأت "رشيد بو جدرة". كيف ترى الرواية العربية؟ 

*ديوب: نعم، كانت "السنغال" ضيف الشرف في معرض القاهرة  الدولي للكتاب، وهو معرض مهم للغاية، وكان من المفترض أن أكون هناك، لكنني لم أستطع الحضور إلى "القاهرة". كنت في "رواندا" في ذلك الوقت.

  أما بالنسبة للأدب العربي، فقد قرأت قبل بضع سنوات رواية (الانتقام) ل"رشيد بوجدرة"، وقد التقيت به لقاء عابرا في مكان ما في فرنسا. على الرغم من أنني أحببت مؤلفين مثل "ميموني"  و"بن جلون"  وبالطبع "كاتب ياسين"  - أتذكر أول مرة قرأت فيها رواية عربية هي رواية "نجمة"  في السبعينيات، كانت مفاجأة بالنسبة لي! - أدرك تماما أن الكتب التي كتبها مؤلفون عرب وترجمت إلى اللغة الفرنسية أو الإنجليزية هي جزء صغير جدًا من الأدب العربي الكبير، وليس الجزء الأكثر أهمية. هذا أمر محزن حقًا لأن الأدب الذي قدم للبشرية العديد من الكنوز مازال مخفيا بالتأكيد. من ناحية أخرى، فإن الأدب الأفريقي جنوب الصحراء غير معروف على الإطلاق في العالم العربي. ربما تمت ترجمة "سنغور" و"سيزير" وربما "سوينكا" إلى اللغة العربية. إذا كان الأمر كذلك، فسيكون السبب الرئيسي هو حصولهم على نوع من الاعتراف في "باريس" أو "لندن" أو "نيويورك". كما ترى، تمنعنا هذه الوساطة الغربية من التواصل مباشرة مع بعضنا البعض. الشيء المضحك هو أننا لا ندرك مثل هذا الشذوذ المدمر.

*الحيقي: ما هي كتبك الجديدة التي ستكتبها؟ أو التي ستنشرها؟ 

*ديوب: أرى نفسي الآن ناشرًا أكثر من كوني كاتبًا، إنّ شغلي الشاغل هذه الأيام هو مساعدة الآخرين، وخاصة المؤلفين الشباب الذين يستخدمون اللغات السنغالية، لنشر كتبهم. لقد قمت بتأسيس أوّل دار نشر بلغاتنا الوطنية: (EJO)، وأسّست اول صحيفة على الانترنت بلغة (الولوف): (defuwaxu.com)، وإضافة إلى كل هذا، أعمل كثيرًا مع المترجمين - إلى الإنجليزية أو الفرنسية - لرواياتي المكتوبة بلغة الولوف.

*الحيقي: كتبت بلغة (الولوف). في أحد كتبك أشرت إلى الحروف العربية ثم اللاتينية، فهل هناك علاقة بين اللغة العربية ولغة الولوف؟  

*ديوب: إنّه سؤال مهم للغاية. بادئ ذي بدء، أنا أقدر حقًا أنّ سؤالك يركز على بلد واحد، هو "السنغال" بدلاً من "إفريقيا". غالبًا ما يستخدم الناس كلمة "إفريقيا"، مما يعطي الانطباع بأن هذه القارة الضخمة هي قرية صغيرة. حتى عندما يقول الناس "إفريقيا جنوب الصحراء" أو "إفريقيا السوداء"، فهذا فقط لأنهم نسوا أنّ ما ينطبق على "بوتسوانا" لا ينطبق بنفس القدر على "الجابون" أو "جمهورية تشاد"، فلكل دولة أفريقية خصوصيتها الخاصة. لنأخذ حالة "السنغال" على سبيل المثال. كانت لغة (الولوف) على اتصال مبكر جدًا بالأدب واللغة العربية، من خلال دخول الإسلام إلى "السنغال". لقد كتب أعظم شعرائنا روائعهم بهذه الأبجدية العجمية المسماة هنا لغة (الولوف) . كما أنهم يعرفون جيدًا نظرائهم العرب. لكن المحزن أن هذا التواصل لم يحدث بشكل متبادل، فالمفكرون العرب لا يعرفون حتى أن لغتهم قد أثرت على أهم الشعراء السنغاليين. أعتقد أنه سيكون من العدل فقط إذا تمت ترجمة Sëriñ Mbay Jaxate و Sriñ Musaa Ka إلى العربية ... سيرى الجميع في "اليمن" أو "سوريا" أو "تونس" مدى تقاربنا الحقيقي. يمكننا أيضا أن نرى هذا التأثير مع الترجمة العربية للأدب السنغالي أو النيجيري الحديث، على الرغم من الأكاذيب التي يروج لها بعض "المفكرين" التافهون وضيقو الأفق.  مناظرنا الطبيعية المتخيلة متشابهة. لا توجد طريقة أفضل من الأدب لمواجهة تصاعد سوء التفاهم بيننا نحن الأفارقة السود وأخواتنا وإخواننا العرب.

*الحيقي: أشرت في بعض كتاباتك إلى أن الغربيين قد صنعوا الكراهية للإفريقيين والعرب والآسيويين. كيف يمكننا الدفاع عن أنفسنا؟ 

*ديوب: في كتاب (تشينوا أتشيبي) أشياء تتداعى، يلاحظ أحد شيوخ العشيرة بمرارة في نهاية الرواية: "الرجل الأبيض ذكي للغاية. أتى بهدوء وسلام مع دينه. لقد استمتعنا بحماقته وسمحنا له بالبقاء. لقد فاز الآن بإخواننا وعشيرتنا لم تعد تلك الشعوب قادرة على المعارضة بوحدة واحدة، لقد وضع سكينًا على ذلك العود المتماسك في أشجارنا وأنهارنا ". كان بإمكان الروائي النيجيري greta استخدام نفس الكلمات لوصف الوضع في آسيا، في أي مكان في القارة الأفريقية أو في العالم العربي. في الحقيقة، عندما يستخدم شخص ما تعبير "الدول الغربية"، فإنهم يتحدثون فقط عن جميع الدول التي دمرها الغزو الأوروبي بشكل منهجي. إن تاريخ البشرية هو إلى حد كبير تاريخ الفتح الدموي لأوروبا ... لهذا السبب بينكم وبيننا، يجب أن تكون الوحدة والتضامن أمرًا ساريًا، إذا أردنا حقًا إعادة كتابة تاريخنا. في الخمسينيات، في أعقاب "باندونغ"، عندما انفجرت العديد من دول العالم الثالث ضد الاستعمار ، كان هذا التضامن بين إفريقيا وآسيا والعالم العربي عمليًا أخلاقياً وسياسياً. يمكن توضيح ذلك من خلال أعمال ونضالات المثقفين مثل الشيخ "أنتا ديوب"  و"مالكوم إكس" و"فرانتز فانون"، أو القادة السياسيين مثل "نهرو" و"جمال عبد الناصر" و"كوام نكروما"، على سبيل المثال لا الحصر.

* الحيقي: صحيح أنك كتبت دفاعًا عظيمًا في العديد من الكتابات، لكن ما هو واجب الكتاب الآخرين؟

*ديوب: أول واجب للكاتب أن يكون موهوبًا. لكن هذا لا يكفي، مهما كانت الموهبة، يجب أن يعملوا بجد لتلبية توقعات قرائهم. بالنسبة لي، الجودة الأدبية للكتاب لا علاقة لها بمحتواها حيث أننا جميعًا نروي نفس القصص تقريبًا.

*الحيقي: أرى رواية (كافينا) أكثر تشويقا وتماسكا وأهمية من رواية (مورابي . كتاب العظام) التي احتفى بها الكتاب على مستوى العالم، ولم تحض رواية (كافينا) بما تستحق من الانصاف!

ماذا تقول عن رواية (كافينا)؟

*ديوب: هذا بالضبط ما قلته للتو. تحكي كافينا الأيام الأخيرة لنزو نيكيما، الديكتاتور الهارب. لدينا السارد، "أشانتي كروما"، رئيس الشرطة السرية والطاغية نفسه. هذا الأخير يدرك تمامًا حقيقة أنه سيموت على أي حال. لهذا السبب لم يعد بحاجة إلى الكذب. إن حقيقة أنه ليس لديه ما يخفيه أمر حاسم لسرد القصص ولكنه مزعج بعض الشيء لأن القارئ لا يمكنه أن يشعر بالتعاطف مع رجل كان فاسدًا ووحشيًا من الناحية الأخلاقية. من الطبيعي أن يشعر القارئ بهذا الشعور، لأنني قررت أن أكتب Kaveena في اليوم الذي رأيت فيه على شاشة التلفزيون اعتقالًا لدكتاتور وحشي معروف جيدًا. كنت أعرف تمامًا ما فعله خلال فترة وجوده في السلطة، لكنه تعرض للإذلال الشديد لدرجة أنني شعرت بالتعاطف معه، لمدة ثانيتين أو ثلاث ثوان، تأثرت بذلك الموقف. هاتان الثانيتان أو الثلاث هما أصل روايتي Kaveena. لكن القصة كاملة ولدت من مقال قرأته في صحيفة سنغالية والذي تناول طقوس قتل فتاة تبلغ من العمر ثماني سنوات من قبل رجلين نافذين، رجل سنغالي وفرنسي. هذا هو السبب في أن Kaveena هي رواية عن "الفرانك أفريقي"، هذه الظاهرة السياسية الفريدة تمامًا مما يعني أن دولًا مثل "السنغال" و"ساحل العاج" و"الغابون" ليست مستقلة حقًا، وأن رؤساءها مجرد أتباع يتلقون الأوامر من قصر الإليزيه.

*الحيقي: تحدثت عن الربيع العربي في كتاب "مجد الدجالين" 2014 ماذا تضيف الآن. 

*ديوب: شاركت في كتاب )مجد الدجالين)    مع صديقتي Aminata Dramane Traoré، وهي كاتبة سياسية وناشطة معروفة ومحترمة من "مالي". وذلك من خلال رسائل تبادلناها على مدى ثلاث سنوات، أنا و"أميناتا"، حول الوضع في "مالي" وبعض الموضوعات الأخرى مثل الربيع العربي، أو سقوط "معمر القذافي" و"لوران غباغبو". عندما صدر الكتاب، تم انتقادنا بسبب التصريح عن بعض الشكوك حول الربيع العربي أو بسبب وصف الجيش الفرنسي في "عملية سيرفال" في "مالي" بأنها حملة استعمارية جديدة. اليوم، تراجع الكثيرون ممن اختلفوا معنا واكتشفوا أننا كنا على حق.

***

كل الشكر للمفكر والكاتب والروائي "بوبكر بوريس ديوب"، على هذا الحوار الذي ربما يجعلنا نعيد التفكير في أشياء كثيرة منها العلاقات والمصالح المشتركة بين العرب ودول أفريقيا، أو على الأقل بين الأدباء المثقفين والفنانين.

***

هوامش:

  - https://en.m.wikipedia.org/wiki/Neustadt_International_Prize_for_Literature

  -  توني موريسون (بالإنجليزية: Toni Morrison)‏ روائية أمريكية-إفريقية مولودة في أوهايو في 18 فبراير 1931، وهي الكاتبة الأمريكية السوداء الوحيدة التي حصلت على جائزة نوبل في الأدب عام 1993. ماتت في 5 أغسطس 2019.

  - https://www.neustadtprize.org/boubacar-boris-diop-wins-prestigious-2022-neustadt-international-prize-for-literature/

  - ديوب، بوبكر بوريس، مورابي- كتاب العظام، Indian University press، 2000.

  - رغم أن جائزة (بوشنر) التي تمنح للأدب المكتوب باللغة الألمانية، تُمنح على مجمل أعمال الكاتب مثلها مثل جائزة (نوبل) وجائزة (نيوستاد) إلا أن رواية (مائة يوم) الصادرة عام 2008، كانت من أهم الأسباب لنيله الجائزة، تما مثلما كانت رواية (مواربي- كتاب العظام) من أهم الأسباب لحصول (بوبكر بوريس ديوب) على جائزة (نيوستاد) للأدب، مع فارق مهم هو أن جائزة (نيوستاد) جائزة عالمية، تتجاوز حدود اللغة والدولة.

  - رواية (مورابي – كتاب العظام) تمت ترجمتها إلى اللغة العربية، في نهاية 2021. ترجمة عبير عدلي.

  - يكتب "بوبكر بوريس ديوب" باللغة الفرنسية، واللغة المحلية للسنغال، والتي تسمى: لغة (الولوف).

  - رشيد ميموني، (1995-1945)، كاتب جزائري، له عشرة أعمال باللغة الفرنسية. تعرض في السبعينيات لمحاولة اغتيال، وبعد خروجه من المستشفى استقر في المغرب، حتى مات 1995.

  - الطاهر بن جلون، كاتب مغربي معروف، أشهر أعماله (ليلة القدر). حصلت على جائزة (غونكور) 1987.

  - كاتب ياسين، (1989-1929)، شاعر وروائي ومسرحي، جزائري.

  - (نجمة) هي رواية ل"كاتب ياسين" نشرت 1956، و"نجمة" هو اسم فتاة فرنسية جزائرية، أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر، يقع أربعة شبان جزائريون في حبها، تدور أحداثها في شرق الجزائر. أعدها النقاد أجمل نص مكتوب باللغة الفرنسية.

  - جدير بالإشارة أنّ اللغة العربية أثرت تأثيرا مباشرا على أكثر من لغة في أفريقيا، فمثلا (اللغة السواحلية)؛ اللغة المحلية في (كينيا) و (أوغندا) و(تنزانيا) هي اللغة التي تكاد تكون نصف ألفاظها عربية، وحينما زرت (كينيا) أول مرة في 1979، لم أجد صعوبة في التحدث بها، خاصة بعد أن تكررت زياراتي إلى (كينيا) في الثمانينيات والتسعينيات؟

  - جدير بالإشارة أنّ المسلمين في "السنغال" أكثر من تسعين في المائة، وأنّ اللغة العربية تأتي في مقدمة اللغات المحلية لل"سنغال"؟ 

  - "أنتا ديوب" (1986-1923) عالم موسوعي، ومؤرخ سنغالي، وهو صاحب كتاب (الأصول الزنجية للحضارة المصرية). ترجم إلى العربية 2008.










          من ذكريات (صبري الحيقي) ، عن الفنان اليمني المبدع : حيدر غالب

حيدر غالب حسن السروري، من مواليد قرية عكابة، ناحية القبيطة (بالتقسيم السابق) ناحية حيفان (بالتقسيم الحالي) محافظة تعز(1958).    درس في مدرسة الطيار، في القرية، وأول ما عرفناه رساما كانت لوحته للمدرسة التي أدهشت كل من رأها بدقتها الواقعية وجمالها، ثم تتالت أعماله بتشكيلات طينية دقيقة لوجوه من القرية ابتدأها بوجه لجده ولوالده ولشخصيات أخرى، أيضا أدهشت كل من رأها بدقة محاكاتها للوجه الحقيقي. ثم انتقل الى صنعاء، ودرس الثانوية الفنية في المدرسة الفنية (الصينية) في صنعاء. وتخرج منها في سنة 1978 تقريبا، وفي صنعاء استمر في ممارسة هوايته في الرسم وشارك في المعارض التي كانت تقيمها وزارة الاعلام والثقافة حينها، وفي المعرض الذي شارك فيه في (دار الكتب) سنة 1980 شارك بلوحة شجرة البن ولوحة فلاحة تهامية، وأدهشت لوحته شجرة البن كل من شاهدها، وخاصة رئيس الوزراء، وكان حينها "د.عبد الكريم الارياني، الذي بادر بمحاولة شراء اللوحة، ولكن الفنان  "حيدر غالب" أعتذر عن بيعها ووافق على بيع لوحة (فلاحة تهامية) بما يعادل ألف دولار(5000ريال)، وأوصى الأستاذ "يحى حسين العرشي" وزير الإعلام والثقافة، (الذي نحمل له كل الود والتقدير ونسأل الله أن يحفظه)، أن يبعثه في منحة لدراسة الفن التشكيلي في إيطاليا وهو ما تم في السنة التالية وسافر إلى إيطاليا، ولكنه كان مصابا بمرض تكسر الدم، وهو ما كان يعالجه أطباء اليمن بتشخيص خاطيء على انه (ملاريا) وكانت حالته قد استعصت فلم يستطع الأطباء في إيطاليا إنقاذ حياته، فوافاه الأجل هناك سنة 1983،  نسأل الله أن يرحمه ويغفرله ويسكنه فسيح جناته.

   من المعارض التي شارك فيها، معرض في جامعة صنعاء (1977) بنحت لنصف امرأه، كما شارك في المعرض التشكيلي الذي إقيم ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي اليمني في السعودية.  وكذلك شارك في معرض تشكيلي أقيم في دولة الكويت سنة1981.

  كنت الوحيد الذي كتب عنه في اليمن من خلال قراءة للوحة (شجرة البن)  في صحيفة الثورة الرسمية. وأجريت معه حوارا مكثفا في نفس الصحيفة. وكنت حينها محررا لصفحتها الفنية. مع العلم أنه حينما شارك  في الأسبوع الثقافي اليمني في السعودية  كتب عنه في مجلة الفيصل السعودية مرتين، مرة في سياق المعرض التشكيلي اليمني ، ومرة مقال مستقل تحت عنوان لوحة وفنان

الجدير بالذكر أنني طلبت منه شعار للصفحة الفنية. وقد نفذه بتصميم مدهش؛ وقد سلمته حينها للأخ محمد المساح، لكي يسلمه للصحيفة لكن للأسف فقد أضاعه المساح، ولم يكن لدى حيدر نسخة منه.

 وقد أحييتُ ذكره بعد موته في مجلة (اليمن الجديد) حينما كنت مسؤلا عن تحريرها (1987)، ونشرتُ لوحة (الأرض والإنسان) غلافا أماميا للمجلة، ونبذة موجزة عنه في الغلاف الداخلي للمجلة. كما نشرت نبذة عنه وقراءة للوحة (شجرة البن) في مجلة (فنون) حينما كنت نائبا لمدير التحرير فيها سنة1992 تقريبا.

مع العلم أنه حين شارك الفنان حيدر غالب في المعرض الذي أقيم في دار الكتب، كنت مديرا للمعرض وحاضرا أثناء الافتتاح،الذي افتتحه رئيس الوزراء، حيث كنت موظفا في الوزارة منذ أن أنهيت الدراسة الإعداية وكانت علاقتي بحيدر منذ أن كنا معا في مدرسة الطيار، وكنا نلتقي صباحا في الوزارة، وأزوره مساءا بشكل مستمر في مرسمه المتواضع، حيث كان يقيم في بيت أخته في صنعاء.

   ملاحظة مهمة: صور لوحاته كلها التي أحتفظ بها هي من تصويره هو، وقد طلبتها منه قبل أن أسافر للدراسة في الكويت، وقبل أن يسافر هو إلى إيطاليا، وقد حصلتُ عليها منه شخصيا قبل موته بعام واحد.

ملاحظة أخرى: كان الفنان حيدر غالب يرسم لوحاته بطريقة دقيقة قد تستمر عدة أشهر، فقد كان يبدأ بالخلفية طبعا بالألوان الزيتية، ثم يتركها حتى تجف تماما ثم يرسم كل طبقة على حده ويتركها حتى تجف، وهكذا حتى ينتهي. مَن مِن الفنانين يفعل ذلك؟ لا أعرف أحدا يفعل ذلك، مع تقديري واحترامي الكبير للصديق العزيز والزميل الفنان الكبير"طلال النجار" وهو أهم فنان يمني الآن.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة